نرقص على ظهر الغوّاصة الألمانيّة | شعر

طفل من غزّة بين أنقاض بيوت دمّرتها إسرائيل | مجدي فتحي، Getty

 

 

حتّى نبتلَّ مِنْ عرقِ الفرح

 

ضعيني في إبرتِكْ

وأخيطي بِيَ الأجسادَ الممزّقة

في ثانيةِ تحوّلِ البيوتِ مِنْ مكعّباتٍ صلبةٍ إلى نافورةِ رمال

 

هذا اللّحمُ لحمي

ستتوافقُ أنسجتُنا مثلَ حمامٍ ينوح

 

لنا نفسُ الخريطةِ النفسيّةِ منذُ قرّرَ البولنديُّ أنْ يمحو

أسماءَنا عَنِ الورقِ المخطّطِ في مكاتبِ الجيوش

ويكتبَ أسماءَ جديدةً بلغةِ

ربِّهِ البابليّ

 

فيَّ طبقاتٌ مِنَ المجازرِ منذُ يبوس

فِيَّ إلهٌ معلّقٌ في جرحِهِ الفسيحِ

بلا صليب

 

خيوطُ النورِ المنبعثةُ مِنْ باطنِ الصحراءِ في أعلى الجنوب

تفتحُ في سمائي نوافذَ تطلُّ على أرضي الّتي

لا تتوقّفُ الجرّافاتُ عَنْ قضمِها

وترتفعُ العماراتُ وأسعارُ

البيوت

 

أريدُ أنْ أمسِكَ حركةَ اللّهيبِ في مشيِ اللّيل

كما يفعلُ المصوّرونَ المحترفون

أضعُ انحناءاتِها في علبٍ صغيرةٍ ملوّنةٍ جميلة

أهديها لأصدقائي البعيدينَ المنتظرين

نلبسُها في الحفلةِ القادمة

ونرقصُ الدحيّةَ والكرّاديّةَ هناك

على ظهرِ الغوّاصةِ

الألمانيّةِ

تلك

 

قرّري

مَعْ مَنْ أنتِ منذُ الآنَ في هذا الخراب

 

ضعيني في إبرتِكْ

وأعيدي الشّهداءَ إليّ

نحملُهم على الأكتافِ

ونرقصُ حتّى نبتلَّ مِنْ عرقِ الفرح

 

أعيدي

لحمي 

إليّ

 

 

 

ماءٌ في بئرِ النّار

 

يلبسونَ المرَّ في أقدامِهِم

ويمشونَ في القمرِ إلى بئرِ النّار

وهناكَ، في القلبِ، يصبّونَ ماءً قليلًا

يوجِعُ عَظْمَ الرّصاص

 

يعرفونَ، غالبًا، أنَّ الرّحلةَ لا عودةَ مِنْها

لكنّهم يمشون، وتمشي معهم أسماؤُنا

كأنّها ملائكةٌ ترعى

السماء

 

يصبّونَ،

يصيبونَ بالأملِ المصابِ مصابَنا

ونصيبُ شيئًا مِنْ طينِ

الطّريق

 

همْ واحدٌ دائمًا، لا أكثرَ،

وأحيانًا يدانِ تعينانِ الجسدَ في ميْلِهِ السحريِّ

عبرَ شبّاكِ المخيّم

 

قلْ هوَ الصّبرُ، والبحرُ، واليُسْرُ،

والمدٌُّ والجزرُ، والشَّفْعُ والوِتْرُ،

قلْ هوَ الفجرُ

قلْ هوَ

الشّعر

 

 

 

أَمِنْ أجلَ هذا تُخْتَرَعُ الشعوب؟

 

فُتِحَ قفصُ الضباعِ بعدَ جوع

وها هِيَ، بكاملِ بشاعتِها الأنيقةِ

مثلَ عتمةِ قبوٍ منسيٍّ مليءٍ بالعفن

تضربُ بالهراواتِ وأعقابِ البنادقِ أجسادَنا في مسجدِ القدس

ترشّ بالغازِ والفلفلِ وقنابلِ الصّوتِ لغتَنا الأمويّةَ

تأكلُ مِنْ لحمِنا لتبني عضلاتِ

الآراميّةِ الممسوخةِ عبريّةً

جديدة

 

أمِنْ أجلِ هذا

أضعتَ أهلَكَ أربعينَ عامًا في الصّحراءِ

يا أيّها المصريُّ النبيُّ

بعدَ نيل؟

 

أمِنْ أجلِ هذا

جئتَنا يا إبراهيمُ مِنْ سومرَ

مبلّلًا بغربتِكَ كأنَّ لا فراتَ لَكَ

ولا قمحَ في بيتِ كنعانَ

المضيف؟

 

أَمِنْ أجلِهِ

شحنتِ يا أوروبّا الجميلةَ أبناءَكِ نحوَ موانئِنا،

بعدَ أنْ ملأتِ بِهِمْ أفرانَكِ

ليحرقونا بنارِكِ البيضاءِ

ورحتِ تتّهميننا بالسمِّ الّذي

في لا ساميّتِك؟

 

أَمِنْ أجلِ هذا

تُخْتَرَعُ الشّعوب؟

 


 

علي مواسي

 

 

شاعر وباحث. محرّر مجلّة فُسْحَة- ثقافيّة فلسطينيّة. يعمل في تحرير إصدارات مؤسّساتيّة وخاصّة، وتدريب مجموعات، وتدريس علوم العربيّة والإسلام، والاستشارة الثقافيّة والإعلاميّة. له مجموعة شعريّة بعنوان "لولا أنّ التفّاحة"، وكتاب من تحريره بعنوان "الثقافة الفلسطينيّة في أراضي 48"، ومشاركات في مشاريع كتابيّة وفنّيّة جماعيّة عديدة.